**يُطعمها يوميا بيده ويتكفّل بكل حاجياتها ولا يبرحها لأكثر من ساعة**
الابن سفيان يصرخ: "أرجوكم عالجوا أمي كي نصبح ككل الناس"
الزوج سليم: "إذا تزوجت سأشترط على الثانية أن تكون خادمة للأولى"
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة]على بعد أيام من الانتخابات التشريعية ارتأت الشروق اليومي زيارة عائلة سليم الساكن بالعلمة الذي يحمل هموم الدنيا كلها ومعها بدن زوجته المريضة منذ خمس سنوات، أصرّ على أن يسميها بسنوات الجحيم الذي لا يطيقه البشر بعدما وجد نفسه مجبرا على حمل زوجته على كتفه في اليوم والليلة ويقلبها ذات اليمين وذات الشمال ويحضر لها الطعام بمفرده ويغسل لها ثيابها ويقضي لها حاجتها، وكل هذا لأنها أصيبت فجأة بشلل تام أسكن حركتها فلم تعد تقدر على الوقوف ولا على الجلوس ولا حتى على النوم والأكل فاختصرت حياة هذا المغلوب على أمره في التكفل بامرأة لا ينبغي له أن يبرحها لأكثر من ساعة.
الصدمة التي حولت حياة العائلة إلى جحيم
السيد سليم رخروخ الساكن بمدينة العلمة بلغ عقده الرابع وهو أب لطفل ومتزوج منذ سنة 1996 من امرأة أصلها من ولاية بجاية ومعها فتح بيتا عائليا كانت بدايته عادية جدا، فكانت زوجته من أطيب النساء كلها حيوية ونشاط فتحت له أبواب السعادة الزوجية وتكفلت بوالديه اللذين أحباها كثيرا فكانت نعم الزوجة، خاصة أنها تجيد الاعتناء بمنزلها وباحتياجات زوجها. وزاد وهج العائلة نورا بعدما رزق الاثنان بالطفل سفيان الذي ملأ حياتهما مرحا فكان كل شيء عاديا، لكن بحلول سنة 2007 انقلبت حال هذه العائلة رأسا على عقب وكانت البداية بصدمة حلت بالزوجة لما توفيت والدتها وبعد 20 يوما فقط مات والدها فكانت الفاجعة الأولى والثانية أكبر من قلبها الرقيق.
وبعد حزن عميق فاق كل الحدود انعكس الوضع على جسدها وأعصابها بدأت تحس بثقل في يدها اليمنى ولم تعد تحركها إلا بشق الأنفس، فبدا الأمر هينا لكن مع مرور الوقت امتد المرض الخبيث إلى ذراعها وبعدها إلى شقها الأيمن وبعده الأيسر ليسيطر الشلل على جسدها بالكامل ومع هذا السيل المرضي فقدت القدرة على الحركة وعلى الكلام ولم تعد تقدر على النطق إلا بتمتمة لا يفهمها إلا زوجها وابنها سفيان. والغريب أنه لم يبق من نشاط جسدها إلا ابتسامة توزعها على الجميع ولا تبخل بها على أحد. فالكارثة إذن حلت بكل تفاصيلها ووجد الزوج نفسه أمام جسد لا يخرج منه إلا الشهيق والزفير وبينهما آلام وآهات لا تنقطع بالليل والنهار . فسليم الذي يعمل كحارس في متوسطة عبد اللطيف عمراني بالعلمة ويقيم في نفس المؤسسة التي له فيها مسكن من غرفة واحدة يعايش فيه يوميات لا يطيقها أحد فهو مطالب بالاستيقاظ باكرا ليحضر الفطور لزوجته وابنه، وعليه أن يذهب إلى العمل ثم يعود بعد ساعة ليحمل زوجته على كتفيه ويأخذها إلى دورة المياه ويلازمها حتى تقضي حاجتها ويتولى بنفسه تنظيفها وغسل أطرافها ويغير لها ملابسها ثم يعيدها إلى سريرها الذي لم تبرحه منذ 5 سنوات .
ثم عليه أن يتفقد أحوال العمل ثم يعود إليها بعد أقل من ساعة لينظف المنزل ثم يحضر وجبة الغداء فيشمر على ساعديه ويطبخ ما تيسر من طعام مثلما كانت تفعل زوجته في السابق. وعليه أن يطعمها بيده لأنها لا تقدر على حمل الملعقة ثم يعطيها الدواء ويجلسها على السرير بالاستعانة بالوسائد ويبقى مطالب بالعمل والعودة إليها بين الساعة والأخرى. ورغم حرصه على تفقدها إلا أنها سقطت من السرير أكثر من مرة وأصيبت بجروح على مستوى الرأس. وعلى سليم أن يعيد نفس السيناريو في المساء وفي الليل مجبر على الاستيقاظ أكثر من أربع مرات ليقبلها من جنب إلى جنب وأحيانا يقول سليم تشفق علي فتجدها تتحمل الألم ولا توقظني.
سليم هجر الدنيا ليتكفل بزوجته
ولنا أن نتصور حال رجل مطالب بمتابعة هذا البرنامج المراطوني بالدقيقة والثانية، والمسألة ليست وليدة الساعة بل عمرها 5 سنوات ولازالت مستمرة إلى أجل غير مسمى، ويقول سليم خلال حديثنا معه إنه لا ينزل إلى وسط المدينة إلا نادرا وأحيانا تمر الأيام ولا يلتقي أحدا إلى درجة أنه إذا اضطر إلى الخروج تجده يكتشف أشياء جديدة كبنايات أنجزت بالمدينة فيبدو وكأنه رجل غريب عن المنطقة، لكونه محاصرا في عالم ضيق لا يعرف فيه إلا زوجته والغرفة وابنه سفيان الذي له هو الآخر حكاية مع هذه المأساة. فالابن مطالب هو أيضا بتحضير الطعام لأمه والتكفل بها على نفس المنوال، فسفيان البالغ من العمر 15 سنة حكم عليه بملازمة والدته ولا يكاد يلتقي أصحابه إلا نادرا ورغم صبره يقول والده لقد ضبطته ذات مرة منزويا يبكي بحرقة ولما سألته عن السبب قال لي إلى متى ونحن على هذه الحال ولماذا لا يساعدنا أحد؟ أرجوك يا أبي عالجها كي تصبح كباقي الأمهات ونصبح نحن كباقي الناس، وحسب الوالد نفسية سفيان تأثرت كثيرا وانعكس ذلك على تحصيله الدراسي فقد أعاد السنة لأنه لم يتمكن من تحضير دروسه كباقي التلاميذ.
...والمأساة مستمرة
المأساة ازدادت حدتها لأن العائلة تقطن بمنزل تابع للمتوسطة مكون من غرفة واحدة فيها يجلسون وينامون ويأكلون الطعام ويغسلون ثيابهم. وحتى الغرفة تأثرت بالرطوبة التي زادت في مرض الأم، كما أن العائلة مهددة بالطرد من هذا المنزل في أي لحظة وهو الكابوس الذي تنام عليه العائلة في كل ليلة خاصة أن سليم غير قادر على تحمل مصاريف الكراء في مكان آخر وأجرته لا تكفي لتلبية حاجيات العائلة، فدواء الأم مثلا تقدر تكلفته بحوالي أربع ملايين ونصف وقد اضطر إلى التخلي عنه واستسلم للأمر الواقع.
في خضم حديثنا مع سليم سألناه إن كان قد فكر في الزواج فأجابنا بكل ثقة بأنه لن يتخلى عن زوجته إلى آخر نفس من حياتها وإن اضطر إلى الزواج فسيشترط على الزوجة الجديدة أن تتكفل بالزوجة الحالية وإلا سيرضى بهذه الحال إلى أن يكتب الله شأنا آخر، ثم سألناه وهل تنتخب؟ فردّ: "زوجتي مريضة وبلادي أيضا مريضة وعلي أن أساهم في شفائهما معا".
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة]