مقدمة
إن الحمد لله نحمده ، ونستعينه ، ونستغفره ، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا ، من يهده الله فلا مُضِلَّ له ، ومَنْ يُضلل فلا هادي له ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله ؛ صلى الله عليه وعلى آله ، وأصحابه ، وسَلَّم تسليمًا كثيرًا ، أَمَّا بعد :
فلقد أرسل الله عَزَّ وجَلَّ مُحَمَّدًا صلى الله عليه وسلم رحمةً للعالمين ، قال تعالى : وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ ، فهو رحمة للإنس ، والجن ، مؤمنهم وكافرهم ؛ يدعوهم إلى الله ؛ ليخرجهم من الظلمات إلى النور ، قال الله تعالى له : قُلْ يَاأَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعًا الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ يُحْيِي وَيُمِيتُ فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ النَّبِيِّ الْأُمِّيِّ الَّذِي يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَكَلِمَاتِهِ وَاتَّبِعُوهُ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ ، وقال تعالى للنبي صلى الله عليه وسلم : وَإِذْ صَرَفْنَا إِلَيْكَ نَفَرًا مِنَ الْجِنِّ يَسْتَمِعُونَ الْقُرْآنَ فَلَمَّا حَضَرُوهُ قَالُوا أَنْصِتُوا فَلَمَّا قُضِيَ وَلَّوْا إِلَى قَوْمِهِمْ مُنْذِرِينَ ، فهو صلى الله عليه وسلم رحمة للعالمين وحجة على خلقه أجمعين ، وهو مِنَّةٌ من الله تعالى على المؤمنين ، كما قال تعالى : لَقَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولًا مِنْ أَنْفُسِهِمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ''
و قال ملك النصارى النجاشي في الحبشة عندما سمع دعوة النبي صلى الله عليه وسلم وقوله : إن عيسى عبد الله ورسوله فقال لوفد النبي صلى الله عليه وسلم : مرحبًا بكم ، وبمن جئتم من عنده ، فأنا أشهد أنه رسول الله ، وأنه الذي بَشَّرَ به عيسى ، ولولا ما أنا فيه من الملك لأتيته حتى أُقَبِّلَ نعله
وهذا هرقل عظيم الروم النصراني ، يقول لأبي سفيان حينما قال له : إن النبي صلى الله عليه وسلم لا يغدر ، وأنه يأمر بعبادة الله وحده ، وعدم الشرك به ، وينهى عن عبادة الأوثان ، ويأمر بالصلاة ، والصدق ، والعفاف ، قال هرقل لأبي سفيان : فإن كان ما تقول حقًّا فسيملك موضع قدميَّ هاتين ، وقد كُنتُ أعلم أنه خارج لم أكن أظنُّ أنه منكم ، فلو أني أعلم أني أخلص إليه لتجشَّمْتُ لقاءَهُ ، ولو كُنتُ عنده لغسلت عن قدمه
وهذا عبد الله بن سلام اليهودي الحبر العالم من علماء اليهود يأتي إلى النبي صلى الله عليه وسلم عند قدومه إلى المدينة يقول عبد الله رضي الله عنه : فجئتُ في الناس لأنظر ، فلما تبيَّنْتُ وجهَهُ عَرفْتُ أن وجهه ليس بوجه كذَّاب ، فكان أوَّل شيء سمعته يقول : يا أيها الناس ! أفشوا السلام ، وأطعِمُوا الطعام ، وصِلُوا الأرحام ، وصَلُّوا بالليل والناس نيام ؛ تدخلوا الجنة بسلام
وهذا زيد بن سعية اليهودي يختبر النبي صلى الله عليه وسلم فيعفو عنه النبي صلى الله عليه وسلم ويأمر عمر أن يعطيه عطاءً ، فيقول زيد اليهودي الحبر : " ما من علامات النبوة شيءٌ إلا وقد عرفتها في وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم حين نظرتُ إليه إلا اثنتين لم أخبرهما منه : يسبق حلمُهُ جهله ، ولا تزيده شدَّةُ الجهل إلا حلمًا ، وقد اختبرتهما فأشهدك يا عمر أني قد رضيت بالله ربًّا وبالإسلام دينًا وبمحمد نبيًّا ، وأشهدك أنَّ شطر مالي صدقة على أمة محمدٍ صلى الله عليه وسلم "
وهذا صفوان ابن أمية من صناديد قريش الكفرة يعطيه النبي صلى الله عليه وسلم مائة من الغنم ثم مائة ، ثم مائة ، فيقول صفوان : والله لقد أعطاني رسول الله صلى الله عليه وسلم ما أعطاني ، وإنه لأبغض الناس إليَّ ، فما بَرِحَ يُعطيني حتى إنه لأحبُّ الناس إليَّ . وهذا سبب إسلام صفوان
وذاك معاوية بن الحكم يرفق به النبي صلى الله عليه وسلم في تعليمه ، فيقول : فبأبي هو وأمي ما رأيتُ مُعلِّمًا قبله ولا بعده أحسن تعليمًا منه ، والله ما كهرني ، ولا ضربني ولا شتمني وأعطى صلى الله عليه وسلم رجلًا غنمًا بين جبلين فرجع إلى قومه فقال : يا قومي أسلموا ؛ فإن محمدًا يُعطي عطاءً لا يخشى الفاقة
فهذا ثُمامةُ بن أُثال يُسلِمُ بسبب عفو النبي صلى الله عليه وسلم ، ويقول : والله ما كان على وجه الأرض وجه أبغض إليَّ من وجهِكَ ، فقد أصبح وجهُك أحب الوجوه كلها إليَّ ، والله ما كان على وجه الأرض دين أبغض إليَّ من دينك ، وقد أصبحَ دينُك أحبَّ الأديانِ كلِّها إليَّ ، والله ما كان على وجه الأرض بلادٌ أبغض إليَّ من بلادك ، فأصبح بلدك أحبَّ البلاد كلِّها إليَّ
وسُئِلَتْ عائشةُ رضي الله عنها عن خُلُق النبيِّ صلى الله عليه وسلم ؟ فقالت : فإن خلق نبي الله صلى الله عليه وسلم كان القرآن
من هو هاذا الرجل من هاذا العظيم الذي لم ولن يدانيه احد في خلق ولا خُلُق
يتبع انشاء الله